وجود الله
وجود الله هو موضوع نقاش في فلسفة الدين والثقافة الشعبية،
ويمكن تصنيف مجموعة واسعة من الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الله على أنها ميتافيزيقية أو منطقية أو تجريبية أو ذاتية، وباستخدام المصطلحات الفلسفية، تنطوي مسألة وجود الله على تخصصات نظرية المعرفة (طبيعة المعرفة ونطاقها) وعلم الوجود (دراسة طبيعة الكينونة أو الوجود أو الواقع) ونظرية القيمة (نظرًا لأن بعض تعاريف الله تشمل “الكمال”)،
طرقت مسألة وجود الله من عدمه منذ القدم من قبل فلاسفة، ورجال وعلماء الدين وآخرين، على الصعيد الفلسفي، فإن مصطلح “وجود الله” يتطرق إلى أصل وجود الله، طبيعته وحدود إدراك البشر له، وأما على الصعيد الديني فإن رجال وعلماء الدين باختلاف ديانتهم يقولون بأنهم استطاعوا البرهنة على وجود الله بالاعتماد على الغيب فقط بحسب بعض الديانات أو تيارات دون غيرها داخل الدين الواحد أو بالغيب والعقل معًا بحسب ديانات أخرى أو تيارات دون غيرها داخل الدين الواحد،
يثير النقاش حول وجود الله قضايا فلسفية عديدة، مشكلة رئيسية هي عدم وجود تعريف متفق عليه لله بين رافضي وجود الله والمعتقدين بوجوده؛ بعض التعريفات عامة وغير محددة تتحدث عن قوة كونية، بينما هناك تعريفات أخرى تتطرق إلى إله بمواصفات خاصة،
وهناك اختلاف ولكن بمستوى أقل بين المعتقدين بوجود الله، فبينما يقدم اليهود والمسيحيون صفات محددة، فينتقد المسلمين بحسب تعاليم دينهم الإسلام نظرة اليهود والمسيحيين إلى الله،
وهناك أيضاً العديد من الحجج العقلية التي يستدل بها من لا يؤمنون بوجود الله، ويستدل بها كذلك قسم كبير من القائلين بوجود الله، وغالبية الحجج العقلية للقائلين بعدم وجود الله تتمحور حول تعارض الصفات الإلهية المطلقة مع بعضها، كتعارض صفة العلم المطلق مع صفة العدل المطلق، والتخيير والتسيير، والقدر ووجود الشيطان وعلم الله المسبق بخلافهما،
وهناك حجج عقلية يستدل بها القائلون بوجود الله، من مختلف الأديان كالمسيحية واليهودية والإسلام، وتشكل مسألة وجود الله في الجامعات الغربية موضوعا حيا للنقاش في أروقة الفسلفة
وفي الحوارات الشعبية، كما يرفض البعض وجود الله ويعتبرونه “مجرد اسطورة احتاجها الناس قديما نتيجة لجهلهم بأسباب الظواهر الطبيعية”،
التاريخ
هناك اعتقاد خاطئ شائع بأن الإيمان بوجود إله قديم، في حين أن الإلحاد حديث، لكن البشرية قدمت نفس الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الآلهة – بما في ذلك “الله” مع صعود التوحيد – منذ فجر التاريخ البشري، وتقدم نصوص العصر البرونزي،
مثل الفيدا، حجج مختلفة ضد وجود الآلهة، مثل مشكلة الشر ومناورة بوينغ 747 القصوى، فضلاً عن الحجج على وجود الآلهة، مثل الحجة الأخلاقية ورهان باسكال، دون شرح الحجج نفسها، مما يعني أن القراء كانوا يعرفونها وأن الحجج نفسها كانت قديمة في العصر البرونزي،
وبين الإغريق القدماء إلى الشعب الياباني في العصور الوسطى إلى الأمريكيين الأصليين، تم العثور على نفس الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الآلهة، وكان يرى بعض الملحدين والألوهيين في العصور القديمة أن معتقداتهم تعززهم، بينما كان يعتقد آخرون أن الجدل حول الله مبتذل ولا معنى له،
المواقف
يمكن تقسيم المواقف تجاه وجود الله على عدة محاور، مما ينتج عنه مجموعة متنوعة من التصنيفات المتعامدة، الألوهية والإلحاد هما موقفان من الإيمان أو عدمه، في حين أن الغنوصية واللاأدرية هي موقفان من المعرفة أو عدمها، وتتعلق الغنوصية بالإيمان بتماسك الله المفاهيمي، واللاكتراثية تتعلق بالإيمان بالأهمية العملية لما إذا كان الله موجوداً،
لأغراض المناقشة، وصف ريتشارد دوكينز سبعة “معالم” في طيف احتمالات الإيمان بالله:
مؤمن بقوة بوجود إله، احتمال وجود الله 100%، يتلخص إيمانه بعبارة كارل يونغ “أنا لا أؤمن، أنا أعرف”،
مؤمن بوجود الله بحكم الأمر الواقع (دي فكتو)، احتمالية وجود الله عالية جداً لكنها أقل من 100%، “أنا لا أعرف بشكل مؤكد، لكني أؤمن بقوة بوجود إله، وأعيش حياتي على اعتبار أنه موجود”،
الميل تجاه الإيمان بالله، الاحتمالية أكبر من 50% لكنها ليست عالية جداً، “أنا لست متأكد إلى حد كبير، لكني أميل إلى الاِعتقاد بوجود إله”،
الحياد التام، 50% تمام “تتساوى عندي نسبة احتمال وجود إله مع عدمه”،
الميل تجاه الإلحاد، أقل من 50 بالمئة، لكنها لسيت قليلة جدا، “انا لا أعرف أن كان الإله موجود أم لا، لكني أميل إلى الشك بوجوده”،
الإلحاد بحكم الأمر الواقع، النسبة قليلة جداً لكنها لا تصل إلى الصفر، “أنا لا أعرف بشكل مطلق، لكني اعتقد أن وجود إله احتمال ضئيل جداً، وأعيش حياتي على اعتبار أنه غير موجود”،
الملحد بقوة، “أنا أعرف أن الإله غير موجود بنفس الدرجة التي يعرف بها كارل يونغ أنه موجود”،
أدلة وجود الإله في الفلسفة
أدلة وجود الله في الإسلام
1- التصميم الذكي للكائنات:
وهي من الأدلة التي طرحها الإسلام على وجود الله صراحةً، فجاء في القرآن:
فبعد دراسة الكائنات على المستوى الجزيئي تبين أنها مبنية على أسس هندسية ميكانيكية ومعلوماتية وكيميائية وفيزيائية تفوق ما توصل له البشر من علم، وقد أثارت نظرية التصميم الذكي جدل كبير في المجتمع العلمي الذي يتبنى معظمه نظرية التطور، وخصوص أن تنبؤاتها ومقتضياتها تتحقق (مثل القول بأن الجينات الخردة ليست خردة بل لها وظيفة، وأن الأعضاء الضامرة ليست ضامرة بل لها وظائف، إنما نجهلها)، بخلاف نظرية التطور التي فشلت كثير من تنبؤاتها المخالفة للتصميم، مما يضطر العلماء لتجديدها وتطويرها باستمرار الاكتشافات العلمية،
حيث اكتشف العلماء بأن الخلية أبعد ما تكون عن البساطة (كان يُظن سابقًا بأنها نقطة هلامية فقط)، وحسب وصف بيرلنسكي لو كان العلماء في ذلك الوقت يظنون أن الخلية هي بدرجة تعقيد سيارة مثلًا فإن درجة التعقيد المعروفة الآن عن الخلية هي بدرجة تعقيد المجرة،
2- خلق الكون والمبدأ الإنساني:
وقد أشار الإسلام لهذا في الآية
مما استدعى ظهور ما يسمى بالمبدأ الإنساني في علم الكونيات، ويُعرف هذا علميًا بالضبط الدقيق للكون،
ونتيجة لهذا، ولضرورة وجود خالق صمم هذه القوانين في الكون بإتقان يعلم كيف سيعمل الكون، اقترح العلماء وجود عدد لانهائي من الأكوان الموازية تختل فيها بعض هذه الثوابت لتفسير وجود الكون دون الله، وذلك فيما يعرف بنظرية الأكوان المتعددة ونظرية الأوتار، وهي حسب قول الفيزيائيين لا يمكن التأكد من صحتها لأنها تقع خارج عالمنا، ويقول في هذا الفيزيائي روجرز بنروز (على عكس ميكانيكا الكم فإن النظرية M لاتملك أي إثبات مادي إطلاقًا)،
3- غريزة عبادة الخالق:
حيث ذكر نبي الإسلام أن الخالق خلق الإنسان مفطور على عبادة إله، فقال بأنها متأصلة في الإنسان، خلقه الله بها، وصنفها بـ “فطرة”، فجاء في الحديث الشريف ((كل مولود يولد على الفطرة))،
وجاء في القرآن
وفي عام 2008 في شهر تشرين الثاني نُشر بحث أكاديمي في صحيفة التلغراف البريطانية تحت عنوان “الأطفال يولدون مؤمنين بالله” أكد أنه طبقًا للدراسات العلمية، ودون وجود محفزات خارجية لأي اتجاه فإن الأطفال يولدون مؤمنين بوجود إله خلقهم وخلق الكون،
4- القرآن كحجة على وجود الله:
وتنقسم لأنواعٍ من الحجج، منها:
العلمية وهي كثيرة، ومنها آية ((وأرسلنا الرياح لواقح))، والتي لم يكن لبشر من قبل تفسيرها حتى منتصف القرن العشرين عند معرفة مبدأ Cloud seeding، وهو تلقيح الغيوم عن طريق الشوارد لتنزل المطر،
البلاغية: وهو تحد كان موجود في عصر كان يتذوق فيه أهل اللغة اللغةَ فيميزون جيدها من سيئها، عاليها من أدناها، وقد وصف بلاغة القرآن عدد من شعراء وعلماء اللغة العربية منذ البعثة حتى الآن، وحتى كُتبت كتبٌ في ذلك،
ومن الأقوال قوال الوليد بن المغيرة: (وَمَاذَا أَقُولُ فو الله مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، ووالله إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَا، وَأَنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ)،
ومن الكتب التي أُلفت في ذلك كتاب “دليل البلاغة القرآنية” لمحمد بن سعد الدبل، عام 1431 هجرية،
5- أوامر الله كحجة على وجود الله:
فقد جاء في القرآن: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ))،
وتلك الأوامر هي كثيرة، وإحداها الصيام الذي نشرت فيه أبحاث كثيرة، بعضها خاص بصيام المسلمين، وبعضها على الصيام عمومًا بأشكاله المختلفة، وبعضها يتحدث فقط عن تقليل الطعام، قال تعالى: ((وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون)) [البقرة: 84] واعتماد جمعية الحميات البريطانية وجامعة كامبريدج لحمية 5:2 أحد أفضل الحميات المبتكرة حتى الآن على الجسم، وتقوم هذه الحمية على صيام يومين في الأسبوع، ويعد صيام يومي الاثنين والخميس من السنة النبوية، رغم اختلافات في طريقتي الصيام عمومًا، لكن بنفس الآلية المستفادة، وكذلك جائزة نوبل عام 2016 أُعطيت لعالم ياباني لاكتشافه التأثيرات المفيدة للصيام على الجسم على المستوى الخلوي بما يُعرف بآلية الالتهام الذاتي،
6- إخبار النبي ﷺ بأحداث ستحدث لاحقًا توحي بأنها من إلهٍ يعلم المستقبل كدليل على وحيٍ من إله:
وتُسمى في الإسلام “علامات الساعة”، وهي إخبار النبي ﷺ بعلامات ستظهر بمرور الزمن، علامات غير منطقية ولا يمكن التصديق بوقوعها، ووقوعها تباعًا كما أخبر، وهي كثيرة، ومنها: قيام العرب ببناء أبنية شاهقة الطول:
أخبر النبي أنه مع اقتراب الساعة سيظهر أناس يتباهون ببناء المباني العالية والبيوت الفاخرة بعد أن كانوا حفاة عراة يرعون الغنم، وذلك قد يكون بعد فتوحات المسلمين أو تكثر الخيرات والأموال، ويشيع التنافس على الدنيا،
فعن عمر بن الخطاب
وفي رواية ((ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها)) قيل: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: ((العرب))
ويُعد برج خليفة الآن أطول بناء في العالم، بطول 828 متر،
7- إخبار النبي ﷺ بحقائق سابقة غير معروفة توحي بأنها من إلهٍ يعلم ما خفي من الماضي كدليل على وحيٍ من إله:
ولعل من أهمها علميًا هي إخباره بأن شبه جزيرة العرب الصحراوية كانت من قبل عبارةً عن مروج تجري فيها الأنهار، حيث جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا))،
وقد دلت الأبحاث في علم الحفريات على وجود هياكل عظمية في تلك الصحراء تعود لحيوانات لا تعيش إلا في المناطق ذات الكثافة العشبية، وهي كثيرة، منها ما نشرته جامعة كنساس، وكذلك اكتشاف عام 2015 لآثار شبكة من الأنهار كانت تسري في شبه الجزيرة العربية،