خطوات ومنهج البحث العلمى
الخطوات
ابن الهيثم 965 – 1039، العراق، علامة يعتبره البعض أبا المنهجية العليمة المعاصرة، بفضل تشديده على البيانات المجمعة عن طريق التجربة والاختبار وعلى تناتجية النتائج،
يتخطى الهدف الرئيسي لأي بحث علمي مجرد وصف المشكلة أو الظاهرة موضوع البحث إلى فهمها وتفسيرها، وذلك بالتعرف على مكانها من الإطار الكلي للعلاقات المنظمة التي تنتمي إليها، وصياغة التعميمات التي تفسر الظواهر المختلفة، هي من أهم أهداف العلم، وخاصة تلك التي تصل إلى درجة من الشمول ترفعها إلى مرتبة القوانين العلمية والنظريات،
إن تفسير الظواهر المختلفة تزداد قيمته العلمية إذا ساعد الإنسان على التنبؤ، ولا يقصد بالتنبؤ هنا التخمين الغيبي أو معرفة المستقبل، ولكن يقصد به القدرة على توقع ما قد يحدث إذا سارت الأمور سير معين، وهنا يتضمن التوقع معنى الاحتمال القوي، كما أن أقصى أهداف العلم والبحث العلمي هو إمكانية “الضبط” وهو ليس ممكنا في جميع الحالات، فمثلا في دراسة ظاهرة الخسوف يتطلب الأمر وصف الظاهرة، ومعرفة العوامل المؤدية إليها وتفسيرها،
وهذا يمكن من التنبؤ باحتمال وقوع الخسوف، إذا توصلنا إلى معرفة علمية دقيقة له، ولكن لا يمكن ضبطه أو التحكم فيه، لأن عملية الضبط في مثل هذا المجال تتطلب التحكم في المدارات الفلكية، وهذا يخرج عن نطاق قدرة أي عالم، مهما بلغ من العلم والمعرفة أو الدقة في البحث، ولكن في المقابل هناك بعض الظواهر التي يمكن ضبطها والتحكم فيها بدرجة معقولة،
ومثال ذلك، القدرة على محاربة بعض الظواهر الاجتماعية، مثل جنوح الأحداث أو السرقة أو التغلب على الاضطرابات الاجتماعية التي تضعف البناء الاجتماعي، وتعتمد جميع العلوم في تحقيق الأهداف الثلاثة، المشار إليها سابقا (التفسير، التنبؤ، والضبط) على الأسلوب العلمي، وذلك لأنه يتميز بالدقة والموضوعية واختبار الحقائق اختبارا يزيل عنها كل شك مقبول، مع العلم أن الحقائق العلمية ليست ثابتة، بل هي حقائق بلغت درجة عالية من الصدق،
و في هذا المجال، لابد أن تشير إلى قضية منهجية يختلف فيها الباحث في الجوانب النظرية عن الباحث التطبيقي (التجريبي)، حيث أن الأول لا يقتنع بنتائجه حتى يزول عنها كل شك مقبول، وتصل درجة احتمال الصدق فيها إلى أقصى درجة، أما الثاني فيكتفي بأقصى درجات الاحتمال، فإذا وازن بين نتائجه يأخذ أكثرها احتمال الصدق، بمعنى أنه إذا بحث الاثنان في ظاهرة معينة، وكانت درجة احتمال الخطأ فيها واحد من عشرة (1/10)، قبلها الباحث التطبيقي، في حين لا يقبلها الباحث النظري إلا إذا انخفضت درجة احتمال الخطأ إلى واحد في المائة (1%)،
ولا يغيب عن الذهن، أن الأسلوب العلمي يعتمد بعلى الاستقراء الذي يختلف عن الاستنباط والقياس المنطقي، وليس ذلك يعني أن الأسلوب العلمي يغفل أهمية القياس المنطقي، ولكنه حين يصل إلى قوانين عامة يستعمل الاستنباط والقياس في تطبيقها على الجزئيات للتثبت من صحتها (أي أن الباحث النظري يبدأ بالجزئيات ليستمد منها القوانين، في حين أن التطبيقي، يبدأ بقضايا عامة ليتوصل منها إلى الحقائق الجزئية) أي يستعمل التفسير التطبيقي الذي يتمثل في تحقيق -أي تفسير- ظاهرة خاصة من نظرية أو قانون أو ظاهرة عامة،
كما يستخدم الطريقة الاستنتاجية التي تتمثل في استخلاص قانون أو نظرية أو ظاهرة عامة من مجموعة ظواهر خاصة، و مهما يكن، فإن الأسلوب العلمي يتضمن عمليتين مترابطتين هما: الملاحظة، والوصف، فإذا كان العلم يرمي إلى التعبير عن العلاقات القائمة بين الظواهر المختلفة، فهذا التعبير في أساسه وصفي، وإذا كان هذا التعبير يمثل الوقائع المرتبطة بالظاهرة،
فلا بد أن يعتمد على الملاحظة، ويختلف الوصف العلمي عن الوصف العادي، في أنه لا يعتمد على البلاغة اللغوية، وإنما هو بالأساس وصف كمي، ذلك أن الباحث عندما يقيس النواحي المختلفة في ظاهرة أو أكثر، فإن هذا القياس ليس إلا وصفا كميا، يقوم على الوسائل الإحصائية في اختزال مجموعة كبيرة من البيانات إلى مجموعة بسيطة من الأرقام والمصطلحات الإحصائية،
أما الملاحظة العلمية، فهي الملاحظة التي تستعين بالمقاييس المختلفة، وتقوم على أساس ترتيب الظروف ترتيبا مقصودا ومعينا، بحيث يمكن ملاحظتها بطريقة موضوعية، والملاحظة تتميز بالتكرار، وللتكرار أهمية كبيرة من حيث الدقة العلمية،
فهو يساعد على تحديد العناصر الأساسية في الموقف المطلوب دراسته، وتحرك العناصر التي تكون وليدة الصدفة، كما أن التكرار يظل ضروريا للتأكد من صحة الملاحظة، فقد يخطئ الباحث نتيجة الصدفة أو لتدخل العوامل الذاتية، مثل الأخطاء التي تنجم عن الاختلاف في دقة الحواس والصفات الذاتية للباحث، كالمثابرة وقوة الملاحظة،
منهج البحث
يشير مصطلح الأسلوب العلمي إلى ذلك الإطار الفكري الذي يعمل بداخله عقل الباحث، في حين أن كلمة “منهج البحث” تعني الخطوات التطبيقية لذلك الإطار الفكري، ولا يعني هذا الاختلاف ماهية هذين الاصطلاحين، أي تعارض بينهما، فمن الناحية اللغوية يتقارب كثيرا معنى كل من أسلوب ومنهج، ولكن يقصد بهذا التمييز التوضيح والتفسير،
ففي أي دراسة علمية تتخذ العمليات العقلية في ذهن الباحث ترتيبا وتنظيما متكاملا يوجه خطواته التطبيقية، ولذلك يفضل أن يستقل كل مصطلح بجانب من الجانبين، بحيث تستعمل كلمة “أسلوب” لتشير إلى الجانب التطبيقي لخطوات البحث، ولتوضيح ذلك أكثر، يعتمد التمثيل في أن نتصور وجود مشكلة ما تواجه شخصين، الأول يتخبط ويحاول ويخطئ حتى يصل إلى حل ما لهذه المشكلة قد يكون صوابا أو خطأ، ولكنه في كلتا الحالتين لا يعتير محققا علميا، لأنه لم يسير في حلها تبعا لتنظيم ذهني يمكنه من التحقق من نتائجه، أما الثاني، فيعالج المشكلة بأسلوب علمي أي أنه سار في حلها بخطوات فكرية معينة يطلق عليها العلماء “خطوات التفكير العلمي”
وهذا ما يميز الباحث العلمي من الشخص العادي فأسلوب التفكير العلمي هو الذي يميز الباحث العلمي ويمكنه من تمحيص نتائج بحثه والتحقق من صحتها، أما بخصوص خطوات الأسلوب العلمي في التفكير، فهي تكاد وتكون هي نفسها خطوات أي منهج بحثي، مع وجود بعض التفاصيل التي تختلف باختلاف مناهج البحث، إلا أن الأسلوب الفكري هو الذي ينظم أي منهج بحثي،