You are currently viewing تاريخ الثقوب السوداء
  • كاتب المشاركة:

تاريخ الثقوب السوداء

عرض محاكاة لثقب أسود أمام سحابة ماجلان الكبرى، لاحظ تأثير عدسة الجاذبية، الذي يُنتج منظرين مكبرين ولكن مشوهين للغاية للسحابة، ويظهر شكل قرص درب التبانة، عبر الجزء العلوي، مشوهًا على شكل قوس،

 

اقترح الفلكي ورجل الدين الإنجليزي جون ميشيل تصوره لوجود جسم ضخم جدا لدرجة أنه لا يسمح للضوء بأن يفلت منه، وذلك في بحث نشره في نوفمبر 1784،

افترضت حسابات ميشيل أن مثل هذا الجسم قد يملك نفس كثافة الشمس، وخَلُص إلى أن مثل هذا الجسم سوف يتشكل عندما يتجاوز قطر النجم قطر الشمس بـ 500 مرة، محتسبا أن سرعة الهروب من سطحه ستتجاوز سرعة الضوء المعتادة، أشار ميشيل إلى أنه يمكن اكتشاف هذه الأجسام الفائقة الحجم ولكن غير المرئية من خلال آثارها الجاذبية على الأجسام المرئية القريبة،

كان الباحثون في ذلك الوقت متحمسين للاقتراح القائل بأن هنالك نجوم عملاقة ولكن غير مرئية أمام أنظارهم، ولكن ذلك الحماس تضاءل عندما أصبحت الطبيعة الموجية للضوء معروفة في أوائل القرن التاسع عشر، فأصبح الطرح وقتها أن الضوء موجة وليس «جسما»، وعليه فتأثير الجاذبية على الموجات لن يقاس بنفس أسلوب القياس المتبع على الجسيمات، هذا إن وُجد تأثير للجاذبية على الأمواج الضوئية، النسبية الحديثة خطأت تصور ميشيل لإمكانية انطلاق شعاع ضوئي، مرتفعا من سطح نجم ضخم، ويبدأ بالتباطؤ بسبب جاذبية النجم، ويتوقف بعدها، ثم يسقط مرة أخرى على سطح النجم وكأنه كرة،

النسبية العامة

في عام 1915، طور ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة، حيث كان قد أثبت في وقت سابق أن الجاذبية تؤثر على حركة الضوء، بعد ذلك ببضعة أشهر فقط، وجد كارل شوارزشيلد حلاً لمعادلات آينشتاين للمجال، والتي تصف مجال الجاذبية لكل من الكتلة النقطية والكتلة الكروية، بعد بضعة أشهر من نتائج شوارزشيلد، قدم يوهانس دروست، وهو من طلبة هندريك لورنتز، الحل نفسه، وبشكل مستقل عن عمل شوارزشيلد،

لوصف النقطة ذات الكتلة وكتب متعمقا بتفصيل أفضل وأوسع عن خصائصها، ظهر ضمن نتائج وحلول يوهانس نتيجة، تعرف في الوقت الحاضر بٱسم نصف قطر شوارزشيلد، حيث تؤول النقطة إلى وضعية التفرد، مما يعني أن بعض المتغيرات ضمن معادلات آينشتاين أصبحت بقيم لا نهائية، لم تكن طبيعة هذا الأمر مفهومة تمامًا في ذلك الوقت، في عام 1924،

أثبت آرثر إدينجتون أن التفرد يختفي بعد تغيير الإحداثيات (انظر إحداثيات إدينجتون-فينكلشتاين )، إلا أن الأمر استغرق حتى عام 1933 حتى أدرك جورج ليمايتر أن هذا يعني أن التفرد في دائرة نصف قطرها مقدار شوارزشيلد هو تفرد في الإحداثيات غير المادية،

كتب آرثر إدينغتون معلقا على احتمال وجود نجم ذي كتلة مضغوطة لحجم نصف قطر شوارزشيلد في كتاب صدر عام 1926، مشيرًا إلى أن نظرية أينشتاين تسمح لنا باستبعاد الكثافات المرتفعة جداً ضمن النجوم المرئية مثل منكب الجوزاء لأن

«نجما يبلغ قطره 250 مليون كيلومتر لا يمكنه أن يملك كثافة مرتفعة مثل تلك الموجودة لدى الشمس، أولاً، ستكون قوة الجاذبية كبيرة لدرجة أن الضوء لن يكون قادرًا على الهروب منه، ستسقط الأشعة إليه ثانية كسقوط الحجر عائدا إلى الأرض، ثانياً، سيكون الانزياح نحو الأحمر كبيراً لدرجة أنه سيتم إزاحة الطيف خارج الوجود، ثالثًا، ستنتج الكتلة انحناءًا كبيرًا في مقياس الزمان والمكان بحيث يتم إغلاق الفضاء حول النجم، مما سيتركنا في الخارج (أي، في أي مكان)»،

في عام 1931، توصل سوبرامانيان تشاندراسيخار، مستخدما النسبية الخاصة، إلى أن جسما لا يدور ومكونا من المادة المنحلة للإلكترون وبكتلة أعلى من قيمة محددة (تسمى الآن حد تشاندراسيخار 1،4 M ) لن يمتلك حلولا مستقرة ضمن النسبية، تم معارضة استنتاجاته من قبل الكثير من معاصريه مثل إدينغتون وليف لانداو، الذين ردوا عليه أنه لا بد من وجود آليات غير معروفة ستوقف انهيار المادة، حملت معارضاتهم بعضا من الصحة: فالقزم الأبيض الأكبر قليلاً من حد تشاندراسيخار ينهار ليصبح نجمًا نيوترونيًا،

وهو جسم مستقر بحد ذاته، لكن في عام 1939، توقع روبرت أوبنهايمر وآخرون أن النجوم النيوترونية فوق حد آخر (حد تولمان – أوبنهايمر – فولكوف ) ستنهار بناء على التعليلات التي قدّمها تشاندراسيخار، وخَلَصوا إلى أنه من غير المحتمل أن يوجد أي قانون فيزيائي يمكنه أن يوقف انهيار بعض النجوم مما يعني تحولها إلى ثقوب سوداء، حساباتهم الأصلية،

المبنية على مبدأ استبعاد باولي، حددت قيمة الحد الجديد بـ 0،7 M؛ الفهم اللاحق للقوة المرتفعة التي تؤثر على تنافر النجوم النيوترونية رفعت التقدير إلى قيم تتراوح ما بين 1،5 M إلى 3،0 M، أدت القراءات التي تم تسجيلها في مرصد ليغو للموجة الثقالية الناتجة عن اندماج النجم النيوتروني GW170817، والذي يُعتقد أنه أدى إلى ظهور ثقب أسود بعد ذلك بفترة قصيرة،

إلى تحسين تقدير حد تولمان – أوبنهايمر – فولكوف إلى 2،17 M، فسر أوبنهايمر وزملاؤه التفرد على حدود دائرة نصف قطرها قيمة شوارزشيلد على أنه مؤشر على أن هذه هي حدود الفقاعة التي يتوقف الوقت داخلها، وجهة نظر مناسبة للمراقبين خارج الفقاعة، ولكنها بالتأكيد ليست ما يلاحظه الجسم الساقط داخل الفقاعة، وبسبب هذه الخاصية، كانت النجوم المنهارة تسمى «النجوم المجمدة»، لأن المراقب الخارجي سيرى سطح النجم متجمدًا في اللحظة التي يصل بها حجم الانهيار إلى نصف قطر شوارزشيلد،

العصر الذهبي

في عام 1958، أقر ديفيد فينكلشتاين بأن سطح شوارزشيلد هو أفق للحدث، «غشاء مثالي أحادي الاتجاه: يمكن للتأثيرات السببية أن تعبره ولكن في اتجاه واحد فقط»، لم يتعارض هذا بشكل صارخ مع نتائج أوبنهايمر، لكنه وسع مفاهيمها لتشمل وجهة نظر الأجسام التي تجاوزت أفق الحدث، حل فنكلشتاين سمح لحل شوارزشيلد بالارتباط بمستقبل الأجسام التي سقطت في ثقب أسود، واستطاع مارتن كروسكال العثور على حل كامل وقام بنشره سريعا،

جاءت هذه النتائج في بداية العصر الذهبي للنسبية العامة، الذي تميز بسيادة قضايا النسبية العامة والثقوب السوداء مواضيعا رئيسة للبحث العلمي، ساعد على ذلك اكتشاف النجوم النابضة بواسطة جوسلين بيل بورنيل في عام 1967، والتي، بحلول عام 1969، تبين أنها نجوم نيوترونية تدور بسرعات عالية جدا،

حتى ذلك الوقت، كان ينظر إلى النجوم النيوترونية، مثلها مثل الثقوب السوداء، على أنها مجرد شطحات وترف فكري نظري؛ لكن اكتشاف النجوم النابضة أوضح أهميتها الفيزيائية وأثار اهتمامًا إضافيًا بجميع أنواع الأجسام المنهارة بسبب الجاذبية،

في هذه الفترة تم العثور على حلول رياضية أكثر عمومية للثقوب السوداء، في عام 1963، وجد روي كير الحل الدقيق لمسألة الثقب الأسود الدوار، بعد ذلك بعامين، وجد عزرا تي نيومان الحل الرياضي لمحاكاة ثقب أسود متناظر المحاور يدوير ومشحون كهربائياً،

من خلال عمل فيرنر إسرائيل، براندون كارتر، وديفيد روبنسون ظهرت نظرية اللاشعر، والتي تنص على أن الثقب الأسود الثابت يمكن وصفه تماما من خلال ثلاثة خصائص فقط، قياسات كير-نيومان: الكتلة، الزخم الزاوي، والشحنة الكهربائية، في البداية، كان يعتقد أن السمات الغريبة التي تظهر في الحلول الرياضية لنماذج الثقب الأسود كانت عبارة عن نتائج متطرفة بسبب افتراض شرط التناظر ضمن النماذج الرياضية،

وعليه فهذه النتائج الفردية لا يجب أن تظهر في الحلول الرياضية التي تشرح النماذج العامة، تم تبني هذا الرأي بشكل خاص من قِبل فلاديمير بيلينسكي   وإسحاق خلاتنيكوف وإفغيني ليفشيتز، الذين حاولوا إثبات انعدام ظهور التفرد في الحلول الرياضية العمومية، إلا أن روجر بنروز وستيفن هوكينج، في أواخر الستينيات، أثبتا أن الخصائص الفردية تظهر فعلا ضمن الحلول الرياضية العمومية، أدى عمل كل من جيمس باردين وجاكوب بيكينشتاين

وكارتر وهوكينج في أوائل سبعينيات القرن الماضي إلى صياغة قوانين الديناميكا الحرارية للثقب الأسود، تصف تلك القوانين سلوك الثقب الأسود بشكل متفق مع قوانين الديناميكا الحرارية وذلك من خلال ربط الكتلة مع الطاقة، والمساحة مع الانتروبيا، والجاذبية السطحية مع درجة الحرارة، تكاملت الفكرة عندما توصل هوكينج، في عام 1974، إلى أن نظرية المجال الكمي تتنبؤ بأن الثقوب السوداء يجب أن تشع مثلها مثل الجسم الأسود عند درجة حرارة تتناسب مع الجاذبية السطحية للثقب الأسود،

أصل المصطلحات المستعملة

استخدم جون ميشيل مصطلح «النجم المظلم»، وفي أوائل القرن العشرين، استخدم الفيزيائيون مصطلح «الجسم المنهار الثقالي»، تتبعت كاتبة العلوم مارسيا بارتوسياك مصطلح «الثقب الأسود» للفيزيائي روبرت هـ، ديكي، الذي قيل أنه قارن في أوائل الستينيات من القرن الماضي هذه الظاهرة بالثقب الأسود في كلكتا؛ سجن مشهور يدخله الناس أحياء ويخرجون منه أمواتا، وقد تم استخدام مصطلح «الثقب الأسود» في المجلات ضمن مجلتي الحياة وأخبار العلوم عام 1963، وأيضا استعملتها الصحافية آن يوينغ في مقالها «الثقوب السوداء في الفضاء»، بتاريخ 18 يناير عام 1964، حيث كتبت تقريرا عن اجتماع للرابطة الأمريكية لتقدم العلوم في كليفلاند، أوهايو، يُقال أن أحد الطلاب أثناء محاضرة لجون ويلر في ديسمبر 1967 اقترح عبارة «الثقب الأسود»؛ تبنى ويلر المصطلح، وسرعان ما انتشر استعماله، مما دفع البعض إلى إعطاء الفضل لويلر على صياغة العبارة،

اترك رد