الدور الحيوي للكبريت
ينتمي الكبريت إلى العناصر الحيوية المهمّة في خلايا الكائنات الحية، وله العديد من الوظائف الحيوية، وهو يدخل في دورة الغذاء على كافّة المستويات التصنيفية للكائنات الحية، تماثل الوفرة الطبيعية للكبريت في جسم الإنسان وفرة البوتاسيوم، وتقدّر كمّيته في جسم إنسان وزنه 70 كغ بحوالي 140 غرام، ويقدّر نسبياً بحوالي 0.25% وزن؛ ويحوي الغلوبين عند الإنسان حوالي 0،6% وزن كبريت،
يمكن لبعض الأنواع النباتية أن تحوي مكوّنات عضوية كبريتية مثل الأليين وغيرها، والمسؤولة عن الروائح المميّزة للبصل والثوم مثلاً، وذلك إلى نسبة تصل إلى حوالي 5% من وزنها الجاف، عند تعرّض هذه المركّبات في حالتها الطازجة إلى أكسجين الهواء تتأكسد بمساهمة من نشاط إنزيمي إلى مكوّنات كبريتية عضوية مثل ثنائي كبريتيد ثنائي الأليل والأليسين، وهي المسؤولة عن الرائحة والنكهة المميّزة لهذه النباتات،
البروتينات والعوامل المرافقة العضوية
غالباً ما يوجد الكبريت في خلايا الأجسام الحية من النباتات والحيوانات على شكل الحمضين الأمينيين السيستئين والميثيونين، بالتالي فهما يدخلان في تركيب جميع الببتيدات والبروتينات والإنزيمات الحاوية على هذين الحمضين الأمينيين، يعدّ الميثيونين من الأحماض الأمينية الضرورية لجسم الإنسان؛ وباستثناء البيوتين والثيامين،
يُصطَنع منه حيوياً أغلب المركّبات الحيوية الحاوية على الكبريت في الجسم، يساهم إنزيم أكسيداز الكبريتيت (مؤكسدة الكبريتيت) في استقلاب الميثيونين والسيستئين عند الإنسان والحيوانات، تعدّ الرابطة ثنائية الكبريتيد (S-S) بين البقايا الطرفية للسيستين في السلاسل الببتيدية ذات أهميّة حيوية في تشكيل بنية البروتينات؛ حيث تعمل هذه الروابط على منح متانة وجساءة إضافية لها،
فعلى سبيل المثال تعود القوّة الهيكلية للريش والشعر إلى عدّة أسباب، منها المحتوى المرتفع من روابط S-S في الكيراتين، كما يساهم المحتوى المرتفع من روابط S-S في الشعر والريش أيضاً في عدم قابليتها للتحلّل، وفي إصدارها لرائحة مميّزة عند حرقها، يحوي البيض نسبةً مرتفعةً من الكبريت، وذلك من أجل تأمين تغذية كافية لتشكّل الريش عند الفراخ؛ وبسبب النسبة المرتفعة من الكبريت تلاحظ رائحة كبريتيد الهيدروجين عند تعفّن البيض،
هناك حمضان أمينيان آخران حاويان على الكبريت، وهما هوموسيستئين والتورين، ولكنهما لا يُشفّران من الدنا أثناء اصطناع البروتينات، تستخدم العديد من الإنزيمات ذات الأهمية الخلوية المجموعات الكبريتية الداخلة في تركيبها من أجل المشاركة الفعّالة في التفاعلات التي تتضمّن مجموعة أسيل؛ ومن الأمثلة المعروفة كلّ من مرافق الإنزيم-أ وألفا حمض الليبويك،
في العمليات الكيميائية الحيوية داخل الخلية يسهم الكبريت بعمليات الأكسدة والاختزال داخلها؛ إذ أنّ الغلوتاثيون على سبيل المثال، وهو ثلاثي ببتيد يحوي الكبريت في تركيبه، يقوم بدور مختزل بواسطة وحدة الثيول (SH-) الطرفية، كما تقوم بروتينات ثيوريدوكسين الصغيرة بدورٍ مهمّ في عمليات الاختزال اعتمادا على وجود وحدات سيستئين في بنيتها،
إنّ عملية توليد الميثان، وهي عملية تحوّل كيميائية حيوية مهمّة ومتعدّدة المراحل للحصول على غاز الميثان من غاز ثنائي أكسيد الكربون، تتطلّب وجود العديد من العوامل المرافقة العضوية الحاوية على الكبريت، بما فيها مرافق الإنزيم M، وهو المركّب الطليعي (السلف) المباشر قبل الميثان،
البروتينات الفلزية والعوامل المرافقة اللاعضوية
تعدّ البروتينات الفلزية، التي يتكوّن موضعها الفعال من معقّد فلزّ انتقالي قادر على الارتباط بذرّات الكبريت، من المكوّنات ذات الأهمية للإنزيمات المسؤولة عن عمليات انتقال الإلكترون البينية، من الأمثلة على ذلك، كلٌ من بلاستوسيانين والعديد من البروتينات الحاوية على فلزّات النحاس والنيكل والحديد، تتضمّن الأمثلة الأخرى كذلك العناقيد الحديدية-الكبريتية، مثل مركّبات الفيريدوكسين، التي تقوم بدور حيوي بنقل الإلكترونات داخل الخلايا، أمّا في البكتريا، فإنّ إنزيمات نتروجيناز المهمّة تكون حاوية على عنقود Fe–Mo–S، ولها دور تحفيزي مهم ّفي عملية تثبيت النتروجين،
دورة الكبريت واستقلابه
كانت دورة الكبريت أولى الدورات الحيوية الجيوكيميائية المكتشَفة، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، حيث وجد سيرجي وينوجرادسكي أنّ بعض أنواع البكتريا التي تعيش في وسط غني بالكبريت تقوم بأكسدة غاز كبريتيد الهيدروجين للحصول على مصدرٍ للطاقة، وُجد لاحقاً أنّ الأحياء المؤكسِدة للكبريت تستخدم أنواع كيميائية أخرى إلى جانب كبريتيد الهيدروجين،
يكون فيها الكبريت بحالة أكسدة دنيا مثل الكبريت العنصري والكبريتيت والثيوكبريتات، بالإضافة إلى متعدّدات الثيونات مثل رباعي الثيونات، تعتمد هذه البكتريا على إنزيمات تقوم بأكسدة الأنواع الكبريتية إلى كبريتات، توجد هناك حتّى بعض الكائنات الحية جمادية التغذية من البكتريا والعتائق والقادرة على استخدام الطاقة الناتجة من استقلاب الكبريت في إنتاج السكّريات،
وهي عملية تعرف باسم التركيب الكيميائي؛ حيث تستخدم مركّبات الكبريت مثل كبريتيد الهيدروجين بدل من الماء مانحا للإلكترونات بشكلٍ مشابه لما هو عليه في التركيب الضوئي، حيث يقوم الأكسجين هناك بدور مستقبل للإلكترونات، تكثر هذه الأنواع من الكائنات الحية المعتمدة على الكبريت في استقلابها بالقرب المنافس المائية الحرارية،
كما توجد أنواع أخرى تَكَيَّفَ أسلوب غذائها بالتعايش مع هذه الكائنات الحية، ومنها الدودة الأنبوبية الكبيرة، من جهةٍ أخرى، توجد هناك أنواع من بكتيريا مختزلة للكبريت تقوم بعملية اختزال حيوي للكبريتات إلى كبريتيد الهيدروجين، تقوم النباتات بامتصاص الكبريت من التربة على شكل كبريتات، ومن ثم تختزل إلى كبريتيد عبر الكبريتيت، ثم تُحوَّل داخل النبات إلى سيستئين ومركّبات كبريتية عضوية أخرى، تتطلّب عملية التحويل إلى مكوّنات حيوية أخرى داخل النبات (عملية التمثّل) بالنسبة للكبريت مقداراً من الطاقة يفوق ما تتطلّبه عمليّة تَمَثُّل النترات، من جهةٍ أخرى، يؤثّر نقص الكبريتات في التربة سلباً على محصول النباتات،
الأثر البيئي
بسبب احتواء الوقود الأحفوري مثل الفحم القاري أو الفحم البني أو النفط على الكبريت فإنّ المعالجة خلال عمليات الاستخراج والتكرير تطلق كمّيات معتبرة من غاز ثنائي أكسيد الكبريت SO2، يُقدّر أنّ النشاط البشري يساهم بحوالي 35% من انبعاثات هذا الغاز إلى الغلاف الجوّي بكمّية تصل إلى حوالي 400 مليون طنّ سنوياً،
يعدّ غاز ثنائي أكسيد الكبريت من الملوّثات، فهو من مكوّنات الضباب الدخاني (ضبخان) المؤذي للصحة؛ كما يمكن أن يتأكسد إلى ثلاثي أكسيد الكبريت SO3، والذي يمكن أن يتحوّل بسهولة إلى حمض الكبريتيك H2SO4 عند نزول المطر، وبذلك يتشكّل ما يعرف باسم المطر الحمضي المدمّر للبيئة،
لذلك فإنّه غالباً ما تُلزَمُ المنشآت المستخرِجة للطاقة بإجراء عملية نزع كبريت غاز العادم، تعتمد تلك العملية بشكل أساسي على إجراء غسيل للغاز الحمضي بتمريره في وحدة ماصّة ضمن وسط قاعدي، وغالباً من محلول هيدروكسيد الكالسيوم، والذي يقوم بامتصاص غاز ثنائي أكسيد الكبريت ليشكّل في نهاية التفاعل مركّب كبريتات الكالسيوم (الجص) وفق المعادلة:
- C a O + S O 2 ⟶ C a S O 3 ⟶ C a S O 4
بالإضافة إلى ذلك فقد جرى تطوير عمليات لنزع أو تخفيض نسبة الكبريت في المشتقّات النفطية مثل نزع الكبريت المهدرج أو عملية كلاوس، إلّا أنّ تلك العمليات لم تكن كافية بالشكل الكافي للحدّ من الاحترار العالمي، ممّا تطلّبَ اتخاذَ تشريعات مناخية على مستوى العالم، والتي تمثّلت بانعقاد مؤتمر باريس للمناخ وتوقيع اتفاقيته،
جرّاء ذلك أعلنت المنظمة البحرية الدولية (IMO) على سبيل المثال أنّه ابتداءاً من مطلع سنة 2020 يجب أن لا يزيد محتوى الكبريت في زيت الوقود المستخدم في البواخر والناقلات عن مقدار 0،50% وزناً،